الأحد، 18 مايو 2014

جحيم التعصب

لا رقى بلا تسامح.

 فى لحظة من القرن الرابع قبل الميلاد عُقدت محاكمة لـ”سقراط”اجتمع حوالى 500 قاضياً لمحاكمته وإتهامه بالـ كفر.. دافع عن نفسه هذا الفيلسوف العظيم بكلمات نحتاج أن تقال كل يوم على مسامعنا وتدركها عقولنا :
 ليس على الأرض إنسان له الحق فى أن يملى على الآخر ما يجب أن يؤمن به أو يحرمه من حق التفكير كما يهوى”،”مادام الانسان على وفاق مع ضميره فإنه يستطيع أن يستغنى عن رضى اصدقائه وان يستغنى عن المال وعن العائلة وعن البيت ولكن بما أنه لا يمكن اى انسان أن يصل الى نتائج صحيحة بدون ان يفحص المسائل ما لها وما عليها فحصاً تاماً فإنه يجب ان يُترك الناس أحراراً لهم الحرية التامة فى مناقشة جميع المسائل بدون ان تتدخل الحكومة فى مناقشتهم”
 دافع بـ حجج قوية جعلت المجلس يخاطبه فى الكف عن تعليم تلاميذه بحيث اذا وعد وعداً صادقاً بذلك فإن المجلس يعفو عنه فكان جواب سقراط :

“كلا. ما دام ضميرى هذا الصوت الهادىء الصغير فى قلبى يأمرنى بأن اسير وأعلم الناس طريق العقل الصحيح فإنى سأوالى تعليم الناس وأصرح لهم بما فى عقلى بدون إعتبار للنتائج”.
 تم الحكم عليه بالكفر والقتل حتى تجرع السُم ومات بين تلامذته.

 يقول جون ستيوارت مل:
 لو أن كل البشرية ما عدا شخصاً واحداً فقط كانوا متفقين على رأى واحد، وكان ذلك الشخص الواحد بـ رأى مُغاير فإن البشرية كلها لن يكون لها الحق فى إسكات ذلك الشخص.
 لا يمكننا مطلقاً أن نتأكد من أن الراى الذى نحاول خنقه أو قمعه هو راى خاطىء ولو تأكدنا فإن الخنق أو القمع سيكون عملاً شريراً
 يتحدث مل هنا على فكرة طغيان الأغلبية أو بمعنى أصح طغيان الراى العام على رأى الأقلية مما يستتبع معه حرمان تلك الأقلية ومصادرة حقها فى التعبير عن الرأى والتعبير بالتالى مصادرة حقها فى التفكير ويدعو إلى الإلتفات إلى آراء الأقلية وعدم وصمها بالعمالة والخيانة والطابور الخامس والتكفير عسى أن يكون فى تلك الآراء ما يكون صحيحاً !
  
يقول سارتر :
حريتنا هى الشىء الوحيد الذى ليس لنا الحرية فى أن نتخلى عنه، بل إن حريتنا تمتد إلى ما لانهاية، فتريد لنفسها الإنتحار حينما يرغب المرء فى التنازل عن كل إختيار !
 ليست الحرية واقعة نتقبلها على الرغم منا، أو حقيقة ضرورية لا نملك إلا أن نخضع لها، بل هى عملية روحية تعبر عن مقدور تحرير ذواتنا، وإذا كان من الحق أن الناس لا يطربون لشىء بقدر ما يطربون للقول بأنهم أحرار،  فإن من الحق أيضاً أنه ليس أشق على الناس من أن يتحرروا بالفعل.
  
يقول جون لوك فى كتابه رسالة فى التسامح  :
ليس من احد ان يقتحم بإسم الدين الحقوق المدنية و الأمور الدنيوية.”
“فن الحكم ينبغى ألا يحمل فى طياته اى معرفة عن الدين الحق.”
“خلاص النفوس من شأن الله وحده.”
“الله لم يفوض أحداًَ فى ان يفرض على اى إنسان ديناً معيناً.”
 بمعنى اذا كان للدولة دين رسمى صار الطعن فى الدين او انتقاده داعية الى تألب طوائف عديدة منهم العامة الذين يحثهم خوفهم من الدين على اضطهاد المُنتقد ومنهم الكهنة الذين يخشون على مصالحهم ومنهم أفراد الامة تقريباً الذين يرون ان السير على سنن السلف أيسر على قلوبهم من ابتداع البدع.

 يقول كانط فى كتابه الدين فى حدود مجرد العقل :
من يسمى كافراً هو فى واقع الأمر مجرد مؤمن مختلف عنا، وكل معتقد نظامى يقود فى آخر المطاف الى تصنيف الناس الى كفار ومؤمنين.

 حرية المعتقد لا تكفى كى يقوم هناك فهم أخلاقى حقيقى للدين، بل إن حرية التفكير العمومية هى الضمان الأكبر لإصلاح أى استعمال غير مفيد لعقولنا فى مسائل الدين، وهذه الحرية هى مبررة تماماً ليس فقط للفلاسفة بل حتى لعلماء الدين أنفسهم حتى يكونوا دوماً منفتحين على الرأى الأفضل فى فهم أى مسألة ويمكن عندئذ أن يعوّلوا على ثقة الجماعة فى قرارهم.
 التعرض لأصحاب الرأى المختلف، وأصحاب التفكير النقدى والفلسفى والإبداعى وإضطهادهم تم عبر العصور بأبشع الطرق بداية من الوصاية حتى التكفير والقتل ولم يعرف العالم معنى التسامح إلا بعدما سالت دماء الإنسان عبر نواحى الأرض نتيجة لتعصب معتقد على آخر ودين على آخر بل وحتى راى على رأى آخر، عبرت دول العالم نحو التسامح وتعلموا كيف يعيشون سوياً على الأرض. كيف يبنون أوطاناً رحبة بأبنائها قوية بسواعدهم آمنة بتسامحهم. تحرروا من قيود الوهم المطلقة وأدركوا أن الإنسان هو الغاية وأنا تطور المجتمعات وإختراع الحكومات والأحزاب والدولة كان لرفاهية الإنسان.
  
ختاماً من هو المتعصب؟
الجواب : هو الذى يشتهى إنتصار عقيدته على عقيدة الآخرين، وهو الذى يشتهى عند اللزوم، الإستعانة بالعنف لتدمير عقيدة هؤلاء.

http://civicegypt.org/?p=48147