مرت
السنين يا أبى وأنا لا أعرفك . نضجت وترعرت فى كنف أمى وأخى . أعرف أنك
ترانى قاسياً بعض الأحيان . انانياً أحياناً أخرى . تنظر لى وكأننى مدلل
بكثرة من أمى . وأنها أخطأت تربيتى . ولا تكل من إظهار هذا الوصف فى أفعالك
أو كلماتك القاسية . لكنى أحترم نفسى . أجلس فى صمت . أذهب فى صمت . أنام
فى صمت . هادئاً معظم الوقت . أحترم الجميع . أقدر عقول من حولى . أحترمك .
لكن لم تترك لى فرصة لأحن عليك . فما زلت أتذكر إهاناتك المستمرة لأمى فى
صغرى ومع كل إهانة يزداد كرهى لك . لا تعلم الآن لماذا أنا كذلك معك كلما
أحاول أن أستعيد إنسانيتى معك تُفقدنى بكلماتك القاسية التى لم تُراجعها أو
تضع حاجز عليها قبل أن تُلقى بها علىّ فتحرقنى وتزيد من حجم الكراهية . لم
تُدرك أنك قد دمرت كل شىء جميل بيننا . لم تدرك ولا تريد أن تتدارك بأنك
مخطىء فى حق نفسك وحقى وحق أمى التى توفت وهى تكره حياتها معك وتشعر
بالنفاق معك . لم تُدرك كم كنت تتعامل معى عن طريق النقود فأصبحت وسيلة
مادية لا شعورية ولا تعرف كيف تشعرنى بك او تشعر بى . نظراتك كانت دائما
قاسية بها من الغيرة والغباء كأنى لست ابنك . كنت أشعر بكل نظراتك وبكل ما
تخفيه خلف كلماتك الخبيثة وكأنى لست من نطفتك . أبى أنت لم تدرك حتى الآن
أنك كوسيلة مادية تتعامل معى بها لست إلا تلك الوسيلة وإذا فقدتها فلم يعد
لك أى حيز أو مكان فى حياتى . أبى كم أنا حزين على هذا الشعور القاتل
والمخزى تجاهك لكنك لم تترك لى أى سبيل آخر . لم ترانى وأنا أكبر ولم
تعرفنى . وعندما تقربنا كانت المأساة التى كانت تعانيها أمى أمام عينى
تتكرر معى ولكن فى زمان آخر بيننا . كل يوم إزداد قلبى إنغلاقاً . كل يوم
تحاسبنى وكأنك تمن عليا بشىء وتطالبنى به وتتباهى عليا به . كل يوم أزداد
كرهاً وحنقاً عليك . لا ولم تعلم أن الأبوة ليست تسلط أو صوت عالى أو أوامر
أو إعطاء مبلغاً نقدياً فقط . الأبوة هى أن أشعر بأن خلفى حائط أحتمى به
وأنا لم أجده طيلة حياتى . وعندما حانت اللحظة لكى أجده فقدته إلى غير رجعة
. لا أنتمى إليك . فقدتك بلا رجعة . لا إستعطاف . لا إستجداء لمشاعرى . لم
تحترمنى ولم تحترم شخصى ولم تحترم عقلى . لا تلومنى يا أبى .
#هامش_من_رسالة أكتبها .