منذُ أيام وأنا أغوص فى بحرِ عميقِ أبحث فيه عن مفاهيمِ جديدة للحياة .. فى ظل تلك الرحلة مررتُ بالكثير من الأسئلة والصدمات والذهول والتعجب مما رأيت فى أعماق هذا البحر .. رأيتُ أشكالأ وألواناً لم أرها فى حياتى من قبل فى ظل الأبيض والأسود والرمادى المهيمنين على حياة الغالبية من البشر .. ألوانٌ تشع من الضوء ما يجعلك ترى بشكل أفضل .. تنظر برؤية مختلفة .. وكانت رؤية الله هى الفارقة .. نعم رأيت الله بألوانٌ جديدة غير تلك الألوان السقيمة العقيمة التى تجعلك كالأعمى .. الله كان مُتأثراً بما يحدث فى الأرض لم يكن يتوقع أن تصير البشرية بهذا الغباء الساحق .. لم يكن يتخيل أن الإنسان يراه بتلك الصورة المفجعة .. لقد رأى الله الناس تتشدق برحمته وتأمل جنته بدون عمل آملين فى تلك الرحمة ونسوا كلمة العدل .. لقد رآهم إعتمدوا على كلمة الله وإتكلوا عليها فأصبحوا كالحمار يحمل أسفاره .. أصبحوا مُسيرين لا مخيرين .. زرعوا بأنفسهم فكرة أن الله يتحكم بهم وبأفعالهم فى كل شىء .. ولم يفكروا يوماً بسؤال وإذا كان كل عمل نقوم به هو من عند الله ونحن مسيرون فيه فلماذا إذن سنحاسب على تلك الأفعال طالما لم نكن مخيرين فيها ؟ .. لقد فقد الناس إيمانهم بأنفسهم .. شعروا بالضعف والوهن والجهل .. فأرادوا الهروب من الحقيقة فألقوا بالأعذار والأسباب على المشيئة الإلهية ليخرجوا هم كالحمار الذى يحمل أسفاره .. وكأن هذا الإله قد خلقهم عبثاً .. الإله هو جوهر روح الإنسان فإذا كان الإنسان كذا فسيرى الإله كذا وإذا كان الإنسان كذلك سيرى الإله كذلك .. وهنا تقع المفارقة الكبرى فتجد سلاطين الأمم وحكمامهم يعبثون بالإرادة الإلهية ليتحكموا بها من داخل عقول البشر .. ويُمجدون ويضعون أنفسهم فى هذا المنصب بمشيئة الإله ولولا الإله لما كانوا هنا ولو كان الإله يراهم شراً للأمة لما كانوا هنا .. الإله ليس له علاقة بذلك المنطق الحقير .. وأى إله هذا الذى يرضى بظلم الحاكم وجوره .. أى إله هذا الذى جعل الناس تحارب الحاكم بالصلاة والدعاء فى المساجد والكنائس .. وتركوا أهم قاعدة " لكل سبب نتيجة " أى أن الإنسان إذا لم يقاوم الظلم وظل يتعبد فقط فهو يستحق الظلم والجور عليه لأنه تخلى عن الإنسان بداخله تخلى عن مبدأ وجوده تخلى عن قيمة الحياة .. رأيت الناس يدافعون بالدين عن الدين وبالدين عن كل شىء وهم أكثر الناس ظلماً لأنفسهم وبعداً عنها وجهلاً بها .. لقد أعطى هذا الإله الناس حرية إختيار فى كل شىء فلا أعلم سر التبلد واللامبالاة والإتكالية التى سيطرت على عقول الناس وترك الأمر كله لهذا الإله .. هذا الوهم ليس إلا قتل الإنسان بداخلك أنت المتحكم الأول والأخير فى حياتك وليس الله .. واذا كنت تؤمن بأن هذا الإله قد وضع سنن وقوانين لهذا العالم الفسيح من حولنا وهذا الكون الممتدد إلا ما لانهاية حتى الآن والذى لا يستطيع أن يدركه عقلك المحدود فذلك الإيمان يدعوك للإختيار والحرية فى كل أفعالك .. فلُتيقظ الإنسان بداخلك وإلا تترك نفسك تتعفن وتموت .
مقالى التاسع - سلسلة إنسانيات - بعنوان " وهم الإنسان والإله "
مقالى التاسع - سلسلة إنسانيات - بعنوان " وهم الإنسان والإله "